كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي كلام بعض المشايخ أن المراد بالمعراج صورة الجذب والانجذاب وتمثيل الصعود وإلا فالآلة لا تتمشى هناك إذ لا يقاس السير الملكوتي على السير الملكي والظاهر أن عالم الملكوت مشتمل على ما هو صورة ومعنى والصورة هناك تابعة للمعنى كحال صاحب السير والإسراء فإنه لو لم يكن جسده تابعًا لروحه لتعذر العروج فلصورته صورة ولمعناه معنى وكل منهما خلاف ما تتصوره الأوهام وهو اللائح بالبال والحمد الملك المتعال.
واعلم أن المعدن والنبات والحيوان مركبات تسمى بالمواليد الثلاثة آباؤها الأثيريات أي: الإجرام الأثيرية التي هي الأفلاك بما فيها من الأجرام النيرة وأمهاتها العنصريات والعناصر أربعة الأرض والماء والهواء والنار فالأرض ثقيل على الإطلاق والماء ثقيل بالإضافة إلى الهواء والنار وهو محيط بأكثر الأرض والهواء خفيف مضاف إلى الثقلين يطلب العلو وهو محيط بكرة الأرض والماء والنار خفيف على إطلاق يحيط بكرة الهواء والنبي صلى الله عليه وسلّم جاوز هذه العناصر ليلة المعراج بالحركة القسرية والحركة القسرية غير منكورة عندنا وعند المحيلين لهذا الإسراء الجسماني فإنا نأخذ الحجر وطبعه النزول فنرمي به في الهواء فصعوده في الهواء بخلاف طبعه وبطبعه أما قولنا بخلاف طبعه فإن طبعه يقتضي الحركة نحو المركز فصعوده في الهواء عرضي بالحركة القسرية وهي الرمي به علوًا وأما قولنا وبطبعه فإنه على طبيعة يقبل بها الحركة القسرية ولو لم يكن ذلك في طبعه لما انفعل لها ولا قبلها وكذلك اختراقه عليه السلام الفلك الأثيري وهو نار والجسم الإنساني مهيأ مستعد لقبول الاحتراق ثم إن المانع من الاحتراق أمور يسلمها الخصم فتلك الأمور كانت الحجب التي خلقها الله سبحانه في جسم المسري به فلم يكن عنده استعداد الانفعال للحرق كبعض الأجسام المطلية بما يمنعها من الاحتراق بالنار أو أمر آخر وهو أن الطريق الذي اخترقه ليس النار فيه إلا محمولة في جسم لطيف ذلك الجسم هو المحرق بالنار فسلب عنه النار وحل به ضدها كنار إبراهيم عليه السلام قال عليه السلام: «انتهيت إلى بحر أخضر عظيم أعظم ما يكون من البحار فقلت: يا جبرائيل ما هذا البحر؟ فقال: يا محمد هذا بحر في الهواء لا شيء من فوقه يتعلق به ولا شيء من تحته يقر فيه ولا يدري قعره وعظمته إلا الله تعالى ولولا أن هذا البحر كان حائلًا لاحترق ما في الدنيا من حر الشمس ثم قال: ثم انتهيت إلى السماء الدنيا واسمها رقيع فأخذ جبريل بعضدي وضرب بإبهامه وقال: افتح الباب» وإنما استفتح لكون إنسان معه ولو انفرد لما طلب الفتح ولكون مجيئه على خلاف ما كانوا يعرفونه قبل: «قال الحارس: من أنت؟ قال: جبريل قال: ومن معك فإنه رأى شخصًا معه لم يعرفه قال: محمد قال: أوقد بعث محمد قال: نعم» وذلك لجواز أن يعرف ولادته عليه السلام ويخفى عليه بعثته قال: «الحمد ففتح لنا الباب ودخلنا فلما نظر إلي قال: مرحبًا بك يا محمد ولنعم المجيىء مجيئك فقلت: يا جبريل من هذا؟ قال: إسماعيل خازن السماء الدنيا وهو ينتظر قدومك فادن وسلم عليه فدنوت وسلمت فرد عليّ السلام وهنأني فلما صرت إليه قال: أبشر يا محمد فإن الخير كله فيك وفي أمتك فحمد الله على ذلك» وهذا الملك لم يهبط إلى الأرض قط إلا مع ملك الموت لما نزل لقبض روحه الشريفة «تحت يده سبعون ألف ملك تحت يد كل ملك سبعون ألف ملك قال: وإذا جنوده قائمون صفوفًا ولهم زجل بالتسبيح يقولون سبوحًا سبوحًا لرب الملائكة والروح قدوسًا قدوسًا لرب الأرباب سبحان العظيم الأعظم وكان قراءتهم سورة الملك فرأيت فيها كهيئة عثمان بن عفان فقلت: بم بلغت إلى هنا قال: بصلاة الليل»: قال: «ثم انتهيت إلى آدم فإذا هو كهيئة يوم خلقه الله تعالى» أي: على غاية من الحسن والجمال «وكان تسبيحه سبحان الجليل الأجل سبحان الواسع الغنى سبحان الله العظيم وبحمده فإذا هو تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول روح طيبة ونفس طيبة خرجت من جسد طيب اجعلوها في عليين وتعرض عليه أرواح ذريته الكفار فيقول روح خبيثة ونفس خبيثة خرجت من جسد خبيث اجعلوها في سجين».
فإن قلت أرواح الكفار لا تفتح لها أبواب السماء فكيف تعرض عليه وهو في السماء.
قلت: المراد بعض أرواح ذريته الكفار يقع نظره عليها وهي دون السماء لأنها شفافة.
فإن قلت: ما ذكر يقتضي أن يكون أرواح المؤمنين كلهم في عليين في السماء الرابعة وقد ثبت أن أرواح العصاة محبوسة بين السماء والأرض.
قلت: التحقيق أن مبدأ مراتب السعداء من السماء الدنيا على درجات متفاوتة إلى عليين ومبدأ مراتب الأشقياء من مقعر سماء الدنيا إلى منازل مختلفة إلى سجين تحت السابعة وهو مسكن إبليس وذريته فمراتب أرواح الكفار أنزل من مراتب أرواح عصاة المؤمنين تلتحق بعد التهذيب إلى مقارها العلوية قال عليه السلام: «فتقدمت إليه وسلمت عليه فقال: مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح» أي: لقيت رحبًا وسعة وكان مقره فلك القمر لمناسبته في السرعة فإن القمر يسير في الشهر ما يسير الشمس في السنة من المنازل فناسب في سرعة حركاته حركاته الذهنية وانتقالاته الباطنية وموجب هذه الرؤية الخاصة أي: رؤيته عليه السلام لآدم في السماء الدنيا دون غيره من الأنبياء عليهم السلام مناسبة صفاتية أو فعلية أو حالية فلا تنافي أن يشارك آدم في هذه السماء غيره من بعض الأنبياء وقس عليها الرؤية فيما فوقها من السموات كما سيجيىء.
قال في تفسير المناسبات في سورة النجم فأول ما رأى صلى الله عليه وسلّم من الأنبياء عليهم السلام آدم عليه السلام الذي كان في أمن الله وجواره فأخرجه إبليس عدوه منهما وهذه القصة تشبهها الحالة الأولى من أحوال النبي عليه السلام حين أخرجه أعداؤه من حرم الله وجوار بيته فأشبهت قصته في هذا قصة آدم مع أن آدم يعرض عليه ذريته البر والفاجر منهم فكان في السماء الدنيا بحيث يرى الفريقين لأن أرواح أهل الشقاء لا تلج في السماء ولا تفتح لهم أبوابها انتهى قال عليه السلام: «ورأيت رجالًا لهم مشافر كمشافر الإبل» أي: كشفاه الإبل «وفي أيديهم قطع من نار كالأفهار» أي الحجارة «التي كل واحد منها ملىء الكف يقذفونها في أفواههم تخرج من أدبارهم قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: أكلة أموال اليتامى ظلمًا» وهؤلاء لم يتقدم رؤيته لهم في الأرض ولعل المراد بالرجال الأشخاص أو خصوا بذلك لأنهم أولياء للأيتام غالبًا «ثم رأيت رجالًا لهم بطون أمثال البيوت فيها حيات ترى من خارج البطون بطريق آل فرعون يمرون عليهم كالإبل المهيومة حين يعرضون على النار لا يقدرون أن يتحولوا من مكانهم ذلك» أي: فتأطهم آل فرعون الموصوفون بما ذكر المقضتي لشدة وطئهم لهم والمهيومة التي أصابها الهيام وهو داء يأخذ الإبل فتهيم في الأرض ولا ترعى أو العطاش والهيام شدة العطش.
وفي رواية «كلما نهض أحدهم خر» أي: سقط «قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا» وتقدمت رؤيته عليه السلام لهم في الأرض لا بهذا الوصف بل أن الواحد منهم يسبح في نهر من دم يلقم الحجارة ولا مانع من اجتماع الوصفين لهم أي: فيخرجون من ذلك النهر ويلقون في طريق من ذكر وهكذا عذابهم دائمًا «ثم رأيت أخونة عليها لحم طيب ليس عليها أحد وأخرى عليها لحم منتن عليها ناس يأكلون قلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يتركون الحلال ويأكلون الحرام» أي: من الأموال أعم مما قبله وهؤلاء لم يتقدم رؤيته لهم في الأرض «ثم رأيت نساء متعلقات بثديهن فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء اللاتي أدخلن على الرجال ما ليس من أولادهن أي: بسبب زناهن» وفي رواية «أنه عليه السلام رأى في هذه السماء النيل والفرات» وذلك لأن منبعهما من تحت سدرة المنتهى ويمران في الجنة ويجاوزانها إلى السماء الدنيا فينصبان إلى الأرض من طرق العالم فيجريان.
وفي زيادة الجامع الصغير: «إن النيل يخرج من الجنة ولو التمستم فيه حين يسيح لوجدتم فيه من ورقها» قال صلى الله عليه وسلم: «ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا عليهم السلام» أي: شبيه أحدهما بصاحبه ثيابهما وشعرهما «ومعهما نفر من قومهما فرحبا بي ودعوا لي بخير» وكونهما ابن الخالة أي: أن أم كل خالة الآخر هو المشهور والتفصيل في آل عمران.
قال في تفسير المناسبات ثم رأى في الثانية عيسى ويحيى وهما الممتحنان باليهود أما عيسى فكذبته اليهود وآذته وهموا بقتله فرفعه الله وأما يحيى فقتلوه، ورسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد انتقاله إلى المدنية صار إلى حالة ثانية من الامتحان وكانت محنته فيها باليهود وآذوه وظاهروا عليه وهموا بإلقاء الصخرة عليه ليقتلوه فنجاه الله كما نجى عيسى منهم ثم سموه في الشاة فلم تزل تلك الأكلة تعاده حتى قطعت أبهره كما قال عند الموت وهكذا فعلوا بابني الخالة عيسى ويحيى.
قوله تعاده يقال عادته اللسعة إذا أتته لعداد بالكسر أي: لوقت وفي الحديث: «ما زالت أكلة خيبر تعادني فهذا أوان قطعت أبهري» وهو عرق في الظهر متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه وذلك أن يهودية أتت رسول الله بشاة مسمومة فأكل منها وأكل القوم فقال عليه السلام: «ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتني أنها مسمومة» فمات بشر بن البراء منه فجيىء بها إلى رسول الله فسألها عن ذلك فقالت: أردت أن أقتلك فقال عليه السلام: «ما كان الله ليسلط على ذلك» أي: على قتلي.
قال الشيخ افتاده قدس سره: وإنما لم يؤثر السم فيه عليه السلام إلى الاحتضار لأن إرشاده عليه السلام وإن كان في عالم التنزل غير أن تنزله كان من مرتبة الروح وهي أعدل المراتب فلم يؤثر فيه إلى الاحتضار فلما احتضر تنزل إلى أدنى المراتب لأن الموت إنما يجري على البشرية فلما تنزل إلى تلك المرتبة أثر فيه «ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ قال جبريل قيل: ومن معك قال: محمد قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم ففتح لنا فإذا أنا بيوسف عليه السلام ومعه نفر من قومه وإذا هو أعطى شطر الحسن» أي: نصف الحسن الذي أعطيه الناس غير نبينا عليه السلام وفي كلام بعضهم أعطى شطر الحسن الذي أوتيه نبينا عليه السلام وكان نبينا عليه السلام أملح وإن كان يوسف أبيض، وذلك أن الحسن والملاحة من عالم الصفات ولم يحصل لغيره عليه السلام ما حصل له من تجليات الصفات على الكمال صورة ومعنى إذ هو أفضل من الكل فالتجلي له أكمل وهو اللائح بالبال قال عليه السلام: «فرحب بي ودعا لي بخير» قال في تفسير المناسبات أما لقاؤه ليوسف عليه السلام في السماء فإنه يؤذن بحالة ثالثة تشبه حالة يوسف عليه السلام وذلك أن يوسف ظفر بإخوته بعدما أخرجوه من بين ظهرانيهم فصفح عنهم وقال: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف: 72] الآية وكذلك نبينا عليه السلام أسر يوم بدر جملة من أقاربه الذين أخرجوه فيهم عمه العباس وابن عمه عقيل فمنهم من أطلقه ومنهم من فداه ثم ظهر عليهم بعد ذلك عام الفتح فجمعهم فقال لهم: «أقول ما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم»، «ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل قيل من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك قال: محمد قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإدريس عليه السلام فرحب بي ودعا لي بخير» قال الله تعالى في حقه: {ورفعناه مكانًا عليًا} أي: السماء الرابعة حال حياته على أحد الوجوه وكونه في الجنة كما في بعض الروايات لا ينافي وجوده في السماء المذكورة تلك الليلة.
قيل: رفع إلى السماء من مصر بعد أن خرج منها ودار الأرض كلها وعاد إليها ودعا الخلائق إلى الله تعالى باثنتين وسبعين لغة خاطب كل قوم بلغتهم وعلمهم العلوم وهو أول من استخرج علم النجوم أي: علم الحوادث التي تكون في الأرض باقتران الكواكب وهو علم صحيح لا يخطىء في نفسه وإنما الناظر في ذلك هو الذي يخطىء لعدم استيفائه النظر.
قال في المناسبات ثم لقاؤه لإدريس عليه السلام في السماء الرابعة وهو المكان الذي سماه الله مكانًا عليًا وإدريس أول من آتاه الله الخط بالقلم فكان ذلك موذنًا بحالة رابعة وهو شأنه صلى الله عليه وسلّم حتى أخاف الملوك وكتب إليهم يدعوهم إلى طاعته حتى قال أبو سفيان وهو عند ملك الروم حين جاء كتاب النبي عليه السلام ورأى ما رأى من خوف هرقل لقد أمر أمر ابن أبي كبشه حين أصبح يخافه ملك ابن أبي الأصفر وكتب بالقلم إلى جميع ملوك الأرض فمنهم من اتبعه على دينه كالنجاشي وملك عمان ومنهم من هادن وأهدى إليه وأتحفه المقوقس ومنهم من تعصى عليه فاظفره الله به وهذا مقام عليّ وخط بالقلم على نحو ما أوتي إدريس عليه السلام: «ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل قيل من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم ففتح لنا فإذا أنا بهارون عليه السلام ونصف لحيته بيضاء ونصف لحيته سوداء تكاد تضرب إلى سرته من طولها وحوله قوم من بني إسرائيل وهو يقص عليهم فرحب بي ودعا لي بخير» وكان هارون محببًا في قومه لأنه كان ألين إليهم من موسى لأن موسى كان فيه بعض الشدة عليهم ومن ثمة كان له منهم بعض الأذى.
قال في المناسبات: لقاؤه عليه السلام في السماء الخامسة لهارون المحبب في قومه يوذن بحب قريش وجميع العرب له بعد بغضهم فيه.
قال وهب بن منبه: وجدت في أحد وسبعين كتابًا أن الله تعالى لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقله صلى الله عليه وسلّم إلا كحبة بين رمال الدنيا.
ومما يتفرع على العقل إقناء الفضائل واجتناب الرذائل وإصابة الرأي وجودة الفطنة وحسن السياسة والتدبير وقد بلغ من ذلك صلى الله عليه وسلّم الغاية التي لم يبلغها بشر سواه ومما لا يكاد يقضي منه العجب حسن تدبيره صلى الله عليه وسلّم للعرب الذين هم كالوحوش الشاردة كيف ساسهم واحتمل جفاءهم وصبر على أذاهم إلى أن انقادوا إليه واجتمعوا عليه واختاروه على أنفسهم وقاتلوا دون أهلهم وآباءهم وأبناءهم وهجروا في رضاه أوطانهم «ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل قيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم ففتح لنا فإذا أنا بموسى عليه السلام فرحب بي ودعا لي بخير» وكان موسى رجلًا آدم طوالًا كثير الشعر مع صلابته لو كان عليه قميصان لنفذ الشعر منهما وكان إذا غضب يخرج شعر رأسه من قلنسوته وربما اشتعلت قلنسوته لشدة غضبه ولشدة غضبه لما فر الحجر بثوبه صار يضربه حتى ضربه ست ضربات أو سبعًا مع أنه لا إدراك له ووجه بأنه لما فر صار كالدابة والدابة إذا جمحت فصاحبها يؤديها بالضرب.
يقول الفقير: إنما فر الحجر لأن للجمادات حياة حقانية عند أهل الله تعالى وربما يظهر أثرها في الظاهر فتصير في حكم الأحياء من ذوي الروح قال عليه السلام: «فلما جاوزت أي عن موسى بكى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلامًا بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخل من أمتي» أي بل ومن سائر الأمم لأن أهل الجنة من الأمم مائة وعشرون صفًا هذه الأمة منها ثمانون صفًا وسائر الأمم أربعون.